القاهرة (الاتحاد)

سعى الإنسان بكل جدٍ واجتهاد منذ آلاف السنين لدراسة العديد من العلوم، إشباعاً لفطرة الاستكشاف والاختراع لديه، ومن أبرز العلوم وأكثرها أهمية علم الرياضيات بجميع فروعه، والذي يهتم بدراسة الأرقام، ويوضح طريقة التعامل معها، كما يضم الكثير من النظريات والدراسات التي ساهمت في تطوره.
وكان أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي، أول عالم رياضيات وفلك، ولد في العام 164هـ - 781م، في مدينة خوارزم، وانتقلت عائلته من إقليم خرسان إلى بغداد في العصر العباسي، في خلافة المأمون، وعرف بكثرة إنجازاته في الأعمال والأبحاث العلمية، والتي أنجزها في «دار الحكمة» باللغة العربية التي كانت لغة العلم، وعينه المأمون رئيساً على خزانة كتبه، ووكله بجمع وترجمة الكتب اليونانية، مما سهل عليه دراسة العديد من العلوم مثل الرياضيات، والجغرافيا، والفلك، والتاريخ، وترجمة المخطوطات من اللغتين اليونانية والسنسكريتية.
والرياضيات التي ورثها المسلمون عن اليونان، تجعل حساب التقسيم الشرعي للممتلكات بين الأبناء معقداً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، وهذا هو ما قاد الخوارزمي للبحث عن طرق أدق وأشمل، وأكثر قابلية للتكيف فابتدع علم الجبر، لذلك تعود شهرة الخوارزمي الحقيقية، ليبقى علم الجبر في مقدمة العلوم الرياضية، وكان أول علماء الرياضيات الذين فصلوا بين الجبر والحساب، وعالج موضوعات كل منها على حدة، وله في كل علم إسهامات وإنجازات مهمة، أثرت في هذه العلوم، وسهّلت حل الكثير من المسائل، وألف كتاب «المختصر» في حساب الجبر والمقابلة، وهو كتاب رياضي يتضمن العمليات الجبرية الأساسية على المعادلات الرياضية، ويقدم توضيحاً شاملاً عن كيفية حل المعادلات كثيرة الحدود، فوضح الحد والتوازن.
ويعالج كتاب الجبر المعاملات التي تجري بين الناس كالبيع والشراء، وصرافة الدراهم، والتأجير، كما يبحث في أعمال مسح الأرض فيعين وحدة القياس، ويقوم بأعمال تطبيقية تتناول مساحة السطوح والدائرة، وتوصل إلى حساب بعض الأجسام، كالهرم الثلاثي، والهرم الرباعي والمخروط.
وقد ألف الخوارزمي كتاباً آخر، يعتقد أنه قصد به أن يكون تعليمياً، صغير الحجم في علم الحساب، شرح فيه نظام استخدام الأعداد والأرقام الهندية، وطرق الجمع والطرح والقسمة والضرب وحساب الكسور، ونقل هذا الكتيب إلى إسبانيا، وترجم إلى اللاتينية، وحمل إلى ألمانيا، وبالإضافة إلى ذلك ألّف كتاب الجمع والتفريق في الحساب الهندي، وكتاب رسم الربع المعمور، وكتاب تقويم البلدان، وكتاب العمل بالأسطرلاب، وكتاب صورة الأرض وغيرها الكثير من الكتب، ويتقاسم الخوارزمي لقب مؤسس علم الجبر مع العالم ديوفانتوس.
استطاع الخوارزمي أن ينسق بين الرياضيات الإغريقية والهندية، فمن الهندية أدخل نظام الأرقام بدلاً من الحروف الأبجدية، كانت أهم إنجازاته في الرياضات مرتبطة بعلم الحساب، وبفضله، أخذ العالم يستخدم الأعداد العربية التي غيرت وبشكل جذري المفهوم السائد عنها، فكان هو أول من أدخل الأرقام العربية على أسس أنظمة الترقيم، ولا سيما التي تعتمد على النظام العشري، فاستعمل الصفر بهدف تكوين مجموعة الأعداد الطبيعية، مما ساعد على تطوير النظام العشري في الجمع والطرح، والذي شاع استخدامه في أوروبا فيما بعد.
انتشرت الأرقام العربية التسعة يتقدمها الصفر في كل أنحاء أوروبا، وعندما نقل الغرب عن العرب أرقامهم نقلوا معها طريقتهم في قراءة الأرقام من اليمين إلى اليسار، الآحاد ثم العشرات، ولقد أثر الخوارزمي في الحضارة الغربية كثيراً، وارتبط اسمه بمصطلح «الخوارزميات»، ويعني أحكام خطوات حل المسائل الرياضية، وعرف هذا المصطلح في اللغات الأوروبية بـ «اللوغاريثمات».